فصل: السنة التي حكم فيها جابر على مصر وهي سنة ست وتسعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة التي حكم فيها جابر على مصر وهي سنة ست وتسعين ومائة

فيها وقع بين عسكر الأمين والمأمون وقائع يطول شرحها‏.‏

وفيها رفع المأمون منزلة الفضل بن سهل وعقد له على الشرق طولًا وعرضًا وجعل عمالته ثلاثة آلاف ألف درهم وكتب على سيفه ‏"‏ ذا الرياستين ‏"‏ من جانب رياسة الحرب ومن جانب رياسة القلم والتدبير فقام الفضل بأمر المأمون كما يجب‏.‏

وولى المأمون أيضًا أخاه الحسن بن سهل دواوين الخراج‏.‏

كل ذلك والأمين ببغداد في قيد الحياة وفي تعبئة العساكر لقتال المأمون غير أنه ضعف أمره إلى الغاية‏.‏

وفيها ولى الأمين محمد عبد الملك بن صالح الجزيرة والشام‏.‏

وفيها خلع الأمين وبويع المأمون ببغداد ثم أعيد الأمين‏.‏

وسبب ذلك أنه لما مات عبد الملك بن صالح العباسي بالرقة قام الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان فجمع الناس واستقل بالأمر بعد عبد الملك بن صالح ونفق في العساكر لأجل الأمين ثم سار بهم إلى بغداد فاستقبله الأشراف والقواد وضربت له القباب ودخل بغداد في شهر رجب‏.‏

فلما كان الليل بعث الأمين ‏"‏ في ‏"‏ طلبه فأغلظ الحسين لرسول الأمين وقال‏:‏ لا أنا مغن ولا مسامر ولا مضحك حتى يطلبني في هذه الساعة‏!‏ وأصبح فخلع الأمين ودعا للمأمون فوقع بسبب ذلك أمور وحروب بينه وبين حواشي الأمين إلى أن ظفر به الأمين ثم أطلقه ورضي عنه وأعيد الأمين للخلافة‏.‏

ووقع للأمين مثل هذه الحكاية في هذه السنة غير مرة‏.‏

وفيها وقع بين طاهر بن الحسين وبين جيش الأمين وقعة عظيمة قتل فيها محمد بن يزيد بن حاتم المهلبي وطاهر من جهة المأمون وابن يزيد من جهة الأمين‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن مرزوق أبو محمد الزاهد البغدادي كان وزير الرشيد فخرج من ذلك وفيها توفي أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وذهب بصره وله أربع سنين‏.‏

وهذا غير أبي معاوية الأسود فإن الأسود اسمه اليمان‏.‏

نزل أبو معاوية هذا طرسوس وصحب الثوري وغيره‏.‏

وفيها توفي أبو الشيص محمد بن رزين كان شاعرًا فصيحًا‏.‏

قال أبو بكر الأنباري‏:‏ اجتمع أبو الشيص ودعبل وأبو نواس ومسلم بن الوليد وتناشدوا الأشعار في عصر واحد‏.‏

وحكي أن القاضي الوجيه أبا الحسن علي بن يحيى الذروي دخل الحمام وكان ابن رزين هذا في الحمام فأنشد ابن رزين بحضرة القاضي المذكور لنفسه‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ لله يوم بحمام نعمت به والماء من حوضه ما بيننا جاري كأنه فوق شقات الرخام ضحى ماء يسيل على أثواب قصار فلما سمعه القاضي المذكور ضحك ثم أنشد لنفسه في واقعة الحال‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ وشاعر أوقد الطبع الذكاء له فكاد يحرقه من فرط إذكاء أقام يعمل أياما رويته وشبه الماء بعد الجهد بالماء ثم أنشد القاضي أيضًا ينعت الحمام بقوله‏:‏ ‏"‏ الخفيف ‏"‏ إن عيش الحمام أطيب عيش غير أن المقام فيه قليل فكأن الغريق فيها كليم وكأن الحريق فيه خليل وفيها توفي وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي أبو سفيان الرؤاسي الكوفي الأعور كان إمامًا محدثًا ثقة حافظًا كثير الحديث ومولده سنة تسع وعشرين ومائة وقيل سنة ثمان وعشرين ومائة‏.‏

‏"‏ ورؤاس بطن من قيس عيلان ‏"‏ وأصله من خراسان وسمع من الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ ما رأيت أفضل من وكيع‏!‏ كان حافظًا يحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة ويحيى ‏"‏ بن سعيد ‏"‏ القطان كان يفتي بقول أبي حنيفة أيضًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏

ولاية عباد بن محمد على مصر هو عباد بن محمد بن حيان البلخي مولى كندة الأمير أبو نصر‏.‏

ولاه المأمون على إمرة مصر بعد عزل جابر بن الأشعث عنها في شهر رجب سنة ست وتسعين ومائة بكتاب هرثمة بن أعين وكان عباد هذا وكيلًا على ضياع هرثمة بمصر‏.‏

فسكن عباد العسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته هبيرة بن هاشم بن حديج ولما بلغ الأمين ولاية عباد هذا على مصر كتب إلى ربيعة بن قيس ‏"‏ بن الزبير الجرشي ‏"‏ رئيس قيس الحوف بولاية مصر وكتب أيضًا إلى جماعة من المصريين بإعانته فلما بلغهم ذلك قاموا ببيعة الأمين وخلعوا المأمون وساروا لمحاربة عباد أمير مصر وأصحابه فخندق عباد على الفسطاط وكانت بينهم حروب ووقائع آخرها الوقعة التي مسك فيها عباد وحمل إلى الأمين فقتله الأمين في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر‏.‏

وتولى مصر من بعده المطلب بن عبد الله‏.‏

وكان عباد هذا من أعيان القواد قدمه هرثمة بن أعين حتى ولاه المأمون مصر وكان فيه رفق بالرعية وعنده سياسة ومعرفة بالحروب‏.‏

دخل مصر وغالب من بها ميله إلى الأمين فلا زال بهم حتى وافقه كثير منهم وكاد أمره يتم لولا انتقاض أهل الحوف عليه وكثر جمعهم ووثبوا عليه فجمع عباد عساكره وقاتلهم ‏"‏ من ‏"‏ عدة وجوه وهو في قلة إلى أن ظفروا به فلم يبق عليه الأمين وقال‏:‏ هذا ناب من أنياب عساكر المأمون‏.‏

ومع هذا كله ملكها المأمون وولى المأمون بها المطلب ولم يقدر الأمين على أن يولي بها أحدًا وقتل بعد مدة يسيرة وتولى المأمون الخلافة‏.‏

على مصر وهي سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏

فيها لحق القاسم الملقب بالمؤتمن بن الرشيد بأخيه المأمون وصحبه عمه المنصور بن المهدي‏.‏

وفيها كانت وقائع بين عساكر الأمين والمأمون أسر في بعضها هرثمة بن أعين فحمل بعض أصحاب هرثمة على من أسره وضربه فقطع يده وخلص هرثمة هذا والحصار عال في بغداد في كل يوم نحو خمسة عشر شهرًا وكان المحاصر لها طاهر بن الحسين مقدم عساكر المأمون والمأمون بالري ومع طاهر بن الحسين الأمير هرثمة بن أعين وزهير بن المسيب‏.‏

هذا والأمين ينفق الأموال على الجند وهو في غاية من الضيق والشدة وقتل جماعة كبيرة من أهل بغداد وخرج النساء من الخدور حاسرات واشتدت شوكة المأمونية وتفرق عن الأمين عساكره وأخذ أمره في إدبار إلى ما سيأتي ذكره‏.‏

وفيها توفي بقية بن الوليد بن صاعد بن كعب أبو يحمد الكلاعي كان من أهل الشام وكان ثقة في روايته عن الثقات ضعيفًا في غيرهم مولده سنة عشر ومائة‏.‏

وفيها توفي شعيب بن حرب أبو صالح المدائني الزاهد كان أصله من أبناء خراسان ثم من أهل بغداد فتحول إلى المدائن ثم إلى مكة ودام بها إلى أن مات‏.‏

وكان له فضل ودين متين وزهد وفيها توفي عبد الله بن وهب بن مسلم أبو محمد مولى قريش من أهل مصر كان كثير العلم ثقة ولد سنة خمس وعشرين ومائة‏.‏

وفيها توفي ورش المقرئ واسمه عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان‏.‏

وقيل عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان بن داود بن سابق القبطي المصري إمام القراء أبو سعيد ويقال‏:‏ أبو عمرو ويقال‏:‏ أبو القاسم‏.‏

أصله من القيروان وشيخه نافع وهو الذي لقبه ورشًا لشدة بياضه‏.‏

والورش‏:‏ شيء يصنع من اللبن وقيل‏:‏ بل لقبه ورشان وهو طائر معروف فكان يعجبه هذا اللقب ويقول‏:‏ أستاذي نافع سماني به‏.‏

وانتهت إليه رياسة القراء بالديار المصرية وكان بصيرًا بالعربية وكان أبيض أشقر أزرق سمينًا مربوعًا ويلبس ثيابًا قصارًا ومولده سنة عشر ومائة‏.‏

وفيها توفي أبو نواس الحسن بن هانىء وقيل‏:‏ الحسن بن وهب الحكمي الشاعر المشهور حامل لواء الشعراء في زمانه كان إمامًا عالمًا فاضلًا غلب عليه الشعر قال شيخه أبو عبيدة‏:‏ أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين‏.‏

ولقب بأبي نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على قفاه وإنما كان لقبه أولًا أبا علي‏.‏

وفي سنة وفاته اختلاف كبير فأقرب من قال في هذه السنة وأبعد من قال سنة خمس ومائتين وأما شعره فكثير مشهور ونوادره فكثيرة أيضًا وديوان شعره كبير بأيدي الناس في عدة مجلدات‏.‏

ومن أجود ما قال من الشعر قوله‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ ومستطيل على الصهباء باكرها في فتية باصطباح الراح حذاق فكل شيء رآه ظنه قدحا وكل شخص رآه ظنه الساقي وله‏:‏ ‏"‏ البسيط ‏"‏ أذكى سراجًا وساقي الشر يمزجها فلاح في البيت كالمصباح مصباح كدنا على علمنا والشك نسأله أراحنا نارنا أم نارنا راح أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

ولاية المطلب بن عبد الله الأولى على مصر هو المطلب بن عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي أمير مصر‏.‏

ولاه المأمون على مصر بعد عزل عباد بن محمد عنها والقبض عليه في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة وجمع له صلاة مصر وخراجها معًا‏.‏

وقدم إلى مصر من مكة في النصف من شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائة وسكن العسكر وأقر على شرطته هبيرة بن هاشم ‏"‏ بن حديج ‏"‏ مدة قليلة ثم عزله بمحمد بن عسامة ‏"‏ بن عمرو المعافري ‏"‏ ثم عزل محمدًا بعبد العزيز بن الوزير الجروي ثم عزل عبد العزيز بإبراهيم بن عبد السلام الخزاعي ثم عزله بهبيرة بن هاشم المذكور أولًا‏.‏

كل ذلك لما كان في أيامه من كثرة الاضطراب بمصر والفتن والحروب قائمة في كل قليل بديار مصر فإن أهل مصر كانوا يوم ذاك فرقتين‏:‏ فرقة من حزب الأمين محمد الخليفة وفرقة من حزب أخيه المأمون‏.‏

فقاسى المطلب هذا بمصر شدائد مع أنه لم تطل مدته وعزل بالعباس بن موسى في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة‏.‏

فكانت ولايته على إمرة مصر نحوًا من سبعة أشهر ونصف شهر وقبض عليه وحبس مدة طويلة بإذن المأمون‏.‏

وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر بعد خروجه من السجن عند عزل الأمير العباس بن موسى عن مصر إن شاء الله تعالى‏.‏

السنة التي حكم فيها المطلب بن عبد الله على مصر وهي سنة ثمان وتسعين ومائة‏.‏

فيها كان حصار الأمين ببغداد إلى أن ظفر به وقتل في المحرم صبرًا وله عشرون سنة وعلقت وفيها ولي الخلافة المأمون بن هارون الرشيد عوضًا عن أخيه محمد الأمين وكانت كنيته أبا العباس فلما ولي الخلافة كني بأبي جعفر على كنية جد أبيه‏.‏

وفيها في رمضان ثار أهل قرطبة بالأمير الحكم بن هشام الأموي وحاربوه لجوره وفسقه وأحاطوا بالقصر وأشتد القتال وعظم الخطب واستظهروا عليه فأمر الحكم أمرائه فحملوا عليهم وقاتلوهم حتى هزموهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وصلب من وجوه القوم ثلاثمائة على النهر منكسين وبقي القتل والنهب والتحريق في قرطبة ثلاثة أيام ثم أمنهم فهج أهل قرطبة إلى البلاد‏.‏

وفيها توفي سفيان بن عيينة بن أبي عمران وأسم أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم الهلالي أخي الضحاك المفسر و كنيته - أعني سفيان - أبو محمد الكوفي ثم المكي الإمام شيخ الإسلام مولده سنة سبع ومائة في نصف شعبان كان إمامًا ثقة حجة عالمًا صالحًا‏.‏

قال الحسين بن عمران بن عيينة‏:‏ حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏

فلما كنا بجمع - يعني المزدلفة - استلقى على فراشه ثم قال‏:‏ قد وافيت هذا الموضع سبعين عامًا أقول في كل سنة‏:‏ اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك فرجع فتوفي في العام في شهر رجب‏.‏

وكان سفيان يقول‏:‏ لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله قد استجاب دعاء شر الخلق وهو إبليس ‏"‏ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين ‏"‏‏.‏

وكان أيضًا يقول‏:‏ يستحب للرجل أن يقول في دعائه‏:‏ اللهم استرني بسترك الجميل ومعنى الستر الجميل أن يستر على عباده في الدنيا والأخرة‏.‏

وقال غيره‏:‏ إن الرجل ليحدث الذنب فلا يزال نادمًا حتى يموت فيدخل الجنة فيقول إبليس‏:‏ يا ليتني لم أوقعه فيه‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن مهدي بن حسان أبو سعيد العنبري البصري اللؤلؤي الإمام الحافظ كان ثقة كثير الحديث من كبار العلماء الحفاظ ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وسمع الكثير‏.‏

قال إسماعيل القاضي‏:‏ سمعت ابن المدني يقول‏:‏ أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي‏.‏

قال أحمد بن سنان‏:‏ كان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا يبرى قلم ولا يقوم أحد قائمًا كأن على رؤوسهم الطير وكأنهم في صلاة فإذا رأى أحدًا منهم يتبسم أو تحدث لبس نعله وخرج‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي الهاشمي أبو الحسن المدعو بالسفياني المتغلب على دمشق وكان يلقب بأبي العميطر لأنه قال لأصحابه يومًا‏:‏ إيش لقب الجرذون فقالوا‏:‏ لا ندري فقال‏:‏ أبوالعميطر فلقب به‏.‏

ولما خرج بدمشق ودعا لنفسه وتسمى بالسفياني كان ابن تسعين سنة وبايعه أهل دمشق بالخلافة سنة خمس وتسعين ومائة واشتغل عنه الخليفة الأمين بحرب أخيه المأمون فانتهز السفياني هذه الفرصة وملك دمشق حتى قاتله أعوان الخليفة وهزموه فاختفى بالمزة وأقام بها أيامًا ومات‏.‏

وقد تقدم في سنة خروجه أن حديث السفياني موضوع وضعه خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان جد علي هذا‏.‏

وفيها كانت قتلة الخليفة أمير المؤمنين الأمين محمد وكنيته أبو عبد الله وقيل أبو موسى ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي البغدادي‏.‏

وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور‏.‏

قيل‏:‏ إنه لم يل الخلافة بعد علي بن أبي طالب والحسن وله رضي الله عنهما ابن هاشمية غير الأمين هذا‏.‏

وقد تقدم ذكر ما وقع له مع أعوان أخيه المأمون من الحروب إلى أن حاصره طاهر بن الحسين ببغداد نحو خمسة عشر شهرًا حتى ظفر به وقتله صبرًا في المحرم من هذه السنة وطيف برأسه‏.‏

وقتل الأمين وله عشرون سنة‏.‏

وكان أخوه المأمون أسن منه بشهر واحد‏.‏

وكان الأمين من أحسن الشباب صورة‏:‏ كان أبيض طويلًا جميلًا ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضيلة وبلاغة لكنه كان سيىء التدبير ضعيف الرأي أرعن مبذرًا للأموال لايصلح للخلافة وكان مدمنًا للخمر منادمًا للفساق والمغاني والمساخر و اشترى عريب المغنية بمائة ألف دينار واحتجب عن إخوانه وأهل بيته وقدم الأموال والجواهر في النساء والخصيان‏.‏

ومحبته لخادمه كوثر مشهورة منها‏:‏ أنه لما كان في الحصار خرج كوثر المذكور ليرى الحرب فأصابته رجمة في وجهه فجلس يبكي وجعل الأمين هذا يمسح الدم عن وجهه ثم أنشد‏:‏ ‏"‏ مجزوء الرمل ‏"‏ ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه أخذ الله لقلبي من أناس أحرقوه ولم يقدر على الزيادة فأحضر عبد الله بن أيوب التيمي الشاعر فقال له‏:‏ قل عليهما فقال‏:‏ ‏"‏ مجزوء الرمل ‏"‏ ما لمن أهوى شبيه فبه الدنيا تتيه وصله حلو ولكن هجره مر كريه من رأى الناس له الفض - - ل عليهم حسدوه فقال الأمين‏:‏ أحسنت‏!‏ بحياتي يا عباس انظر إن كان جاء على ظهر فأوقره له وإن كان جاء في زورق فأوقره قال‏:‏ فأوقروا له ثلاثة أبغل دراهم‏.‏

قلت‏:‏ وحكايات الأمين كثيرة وجنونه وكرمه أشهر من أن يذكر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثمانية أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏

ولاية العباس بن موسى على مصر هو العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي ولي مصر بعد عزل المطلب عنها في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة ولاه المأمون على الصلاة والخراج ولما ولي مصر قدم ابنه عبد الله أمامه إلى مصر خليفة له عليها فقدم عبد الله إلى مصر ومعه الحسن بن عبيد بن لوط الأنصاري ومحمد بن إدريس - أعني الإمام الشافعي - رحمه الله لليلتين بقيتا من شوال من السنة المذكورة‏.‏

ولما دخل عبد الله المذكور والحسن بن عبيد سجنا المطلب المعزول عن إمرة مصر قبل تاريخه‏.‏

وسكن عبد الله العسكر على العادة وتشدد على أهل مصر فبغضوه وثاروا عليه ووافقهم جند مصر فقاتلهم عبد الله المذكور غير مرة ومنعهم الحسن بن عبيد أعطياتهم وتهددهم لموافقتهم على حرب عبد الله‏.‏

ثم تحامل الحسن المذكور على الرعية وعسفها وتهدد الجميع فاجتمع الجميع وثاروا ووقفوا جملة واحدة فخرج إليهم عبد الله وقاتلهم فهزموه وأخرجوه من مصر ثم عمدوا إلى المطلب بن عبد الله وأخرجوه من حبسه وأقاموه على إمرة مصر لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة تسع وتسعين ومائة‏.‏

ولما بلغ العباس صاحب الترجمة ما وقع لابنه عبد الله بمصر قصد الديار المصرية حتى نزل بلبيس ودعا قيسًا لنصرته ومضى إلى الحوف ثم عاد مريضًا إلى بلبيس فمات به لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين ومائة‏.‏

يقال‏:‏ أن المطلب دس عليه سمًا في طعامه فمات منه‏.‏

وأما ابنه عبد الله فقال صاحب البغية‏:‏ قتله الجند في يوم النحر‏:‏ سنة ثمان وتسعين ومائة‏.‏

فكانت مدة إقامته خليفة عن أبيه شهرين ونصف شهر‏.‏

قلت‏:‏ وأما ولاية العباس على مصر أيام ناب عنه ابنه و زمان قتاله مع أهل مصر فكانت كلها حروبًا وفتنًا‏.‏

ولعل العباس لم يدخل مصر ولا حكمها‏.‏

ولاية المطلب الثانية قد تقدم ذكره في ولايته الأولى على مصر وأما ولايته هذه فكانت بعد خروجه من السجن لأنه لما قامت جند مصر والرعية على عبد الله بن العباس والحسن بن عبيد وأخرجوهما من مصر وقيل بل قتلوا عبد الله بن العباس المذكور ولوا عليهم المطلب هذا بعد أن أخرجوه من السجن فاستولى على مصر ورفق بالرعية وأجزل لهم أعطياتهم وأحسن إليهم فانضم عليه خلائق من الجند ومن أهل مصر وغيرهم فاستفحل أمره بهم وقويت شوكته وأخرج من كان بمصر من أصحاب العباس وابنه عبد الله وتم أمره إلى أن قدم العباس بنفسه إلى مدينة بلبيس فلم يقدر على دخول مصر ووقع له مع العباس أمور وحروب إلى أن دس عليه المطلب هذا سمًا فمات العباس منه كما ذكرناه في ترجمته‏.‏

ولما بلغ المأمون ذلك لم يجد بدًا من أن يقره على إمرة مصر لشغله بقتال أخيه الأمين‏.‏

فاستمر المطلب هذا على إمرة مصر إلى أن تم أمر المأمون في الخلافة وثبتت قدمه فعزله عنها بالسري ابن الحكم في مستهل شهر رمضان سنة مائتين‏.‏

وكان المطلب قد ولى على شرطته أحمد بن حوي ثم عزله بهبيرة بن هاشم‏.‏

فلما قدم السري بن الحكم إلى نحو مصر لم يطق المطلب هذا مدافعته عنها لكثرة جيوش السري وجموعه فشاور أصحابه فأشاروا عليه بالثبات والقتال فجمع هو أيضًا جمعًا هائلًا وقام بنصرته غالب جند مصر والتقى مع السري وقاتله غير مرة وقتل بين الطائفتين خلائق حتى كانت الهزيمة على المطلب وأصحابه وخرج هاربًا من مصر إلي نحو مكة‏.‏

ودافع الجند وأهل مصر عن نفوسهم حتى أمنهم السري ودخل إلى مصر واستولى عليها‏.‏

فكان حكم المطلب في هذه المرة الثانية على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر‏.‏

وقال صاحب البغية‏:‏ وثمانية أشهر‏.‏

السنة التي حكم في أولها العباس ثم المطلب بن عبد اله على مصر وهى سنة تسع وتسعين ومائة‏.‏

فيها قدم الحسن بن سهل من عند الخليفة المأمون إلى بغداد وفرق عماله في البلاد ثم جهز أزهر بن زهير ‏"‏ بن المسيب ‏"‏ لقتال الهرش الخارجي في المحرم فقتل الهرش المذكور‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن طباطبا - واسم طباطبا إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه و سلم وكان القائم بأمره أبو السرايا السري بن منصور الشيباني فهاجت الفتن وأسرع الناس إلى ابن طباطبا واستوسقت له الكوفة فجهز الحسن بن سهل لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف فالتقوا فانهزم زهير بن المسيب واستباحوا عسكره‏.‏

فلما كان من الغد أصبح محمد بن إبراهيم المذكور ميتًا فجاءة فأقام أبو السرايا في الحال شابًا أمرد اسمه محمد بن محمد بن زيد من العلويين ثم جهز له الحسن جيشًا آخر وآخر‏.‏

ووقع لأبي السرايا هذا مع عساكر الحسن بن سهل أمور ووقائع يأتي ذكر بعضها في محلها إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي سليمان بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو أيوب الهاشمي العباسي أمير دمشق وغيرها كان حازمًا عاقلًا جوادًا ممدحًا‏.‏

وفيها توفي علي بن بكار أبو الحسن البصري كان إمامًا عالمًا زاهدًا انتقل من البصرة فنزل المصيصة فأقام مرابطًا وكان صاحب كرامات واجتهاد‏.‏

وفيها توفي عمارة بن حمزة بن مالك بن يزيد بن عبد الله مولى العباس بن عبد الملك كان أحد الكتاب البلغاء الأجواد وكان ولاه أبو جعفر المنصور خراج البصرة وكان فاضلًا بليغًا فصيحًا آلا أنه كان فيه تيه شديد يضرب به المثل حتى إنه كان يقال‏:‏ أتيه من عمارة وله في التيه والكرم حكايات كثيرة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرازي ‏"‏ أبو يحيى ‏"‏ وحفص بن عبد الرحمن قاضي نيسابور والحكم بن عبد الله أبو مطيع البلخي وسيار بن حاتم وشعيب بن الليث بن سعد في صفر وعبد الله بن نمير الخارفي الكوفي وعمر بن حفص العبدي البصري وعمرو بن محمد العنقزي الكوفي ومحمد بن شعيب بن شابور ببيروت والهيثم بن مروان العنسي الدمشقي ويونس بن بكير الكوفي راوي المغازي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏

M0لية السري بن الحكم الأولى على مصر هو السري بن الحكم بن يوسف بن المقوم مولى من بني ضبة وأصله من بلخ من قوم يقال لهم ‏"‏ الزط ‏"‏ أمير مصر‏.‏

وليها بإجماع الجند وأهل مصر على الصلاة والخراج معًا في مستهل شهر رمضان سنة مائتين بعد عزل المطلب عنها‏.‏

وسكن العسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته محمد بن عسامة وأخذ في إصلاح أمور مصر وقراها‏.‏

وبينما هو في ذلك وثب عليه الجند في مستهل شهر ربيع الأول سنة إحدى ومائتين لأمر اقتضى ذلك وحصل بينه وبينهم أمور ووقائع يطول شرحها حتى ورد عليه الخبر من الخليفة المأمون عبد الله بعزله عن إمرة مصر بسليمان بن غالب في شهر ربيع الأول المذكور‏.‏

وقيل‏:‏ إنه هو الذي خرج من مصر واستعفى لأمور صدرت في حقه من الجند والرعية‏.‏

وقيل‏:‏ إن الجند قبضوا عليه بأمر الخليفة السنة التي حكم في أولها المطلب وفي آخرها السري بن الحكم على مصر وهي سنة مائتين من الهجرة‏.‏

فيها في المحرم هرب أبو السرايا والطالبيون من الكوفة إلى القادسية فدخل الكوفة هرثمة بن أعين ومنصور بن المهدي بعساكرهما وأمنوا أهلها فتوجه أبو السرايا وحشد وجمع ورجع إلى نحو الكوفة وواقع القوم فانهزم وأمسك وأتي به إلى الحسن بن سهل فقتله في عاشر شهر ربيع الأول بأمر الخليفة المأمون‏.‏

وفيها هاج الجند ببغداد لكون الحسن بن سهل لم ينصفهم في العطاء وبقيت الفتنة بينه وبينهم أيامًا كثيرة ثم صلح الأمر بينهم‏.‏

وفيها أحصي ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفًا ما بين ذكر وأنثى‏.‏

وفيها قتلت الروم ملكهم ليون وكان له عليهم سبع سنين وملكوا ميخائيل بن جورجيس‏.‏

وفيها قتل الخليفة المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل لكونه أغلظ في الكلام وقال‏:‏ يا أمير الكافرين‏.‏

وفيها توفي معاذ بن هشام الدستوائي البصري الحافظ روى عن أبيه وابن عون وأشعث بن عبد الملك وغيرهم وروى عنه أحمد بن حنبل وإسحاق وبندار وابن المديني وغيرهم‏.‏

وقال العباس بن عبد العظيم الحافظ‏:‏ كان عنده عن أبيه عشرة آلاف حديث‏.‏

وفيها توفي زاهد الوقت معروف بن الفيرزان وقيل‏:‏ ابن فيروز أبو محفوظ وقيل‏:‏ أبو الحسن من أهل كرخ بغداد كان إمام وقته وزاهد زمانه‏.‏

ذكر معروف الكرخي عند أحمد بن حنبل فقالوا‏:‏ قصير العلم فقال للقائل‏:‏ أمسك وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف‏!‏ وكان أبواه من أعمال واسط من الصابئة‏.‏

وعن أبي علي الدقاق قال‏:‏ كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدب نصراني فكان يقول له‏:‏ قل ثالث ثلاثة فيقول معروف‏:‏ بل هو الواحد فيضربه فهرب ثم أسلم أبواه‏.‏

ومن كلام معروف - رحمة الله عليه - قال‏:‏ من كابر الله صرعه ومن نازعه قمعه ومن ما كره خدعه ومن توكل عليه منعه ومن تواضع له رفعه‏.‏

وعنه قال‏:‏ كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله‏.‏

وقال رجل‏:‏ حضرت معروفا فاغتاب رجل ‏"‏ رجلًا ‏"‏ عنده فقال معروف‏:‏ اذكر القطن إذا وضع على عينيك‏.‏

وعنه قال‏:‏ ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين‏.‏

قلت‏:‏ ومناقب معروف كثيرة زهده وصلاحه مشهور نفعنا الله ببركته‏.‏

وفيها في أول المحرم قدم مكة حسين بن حسن الأفطس ودخل الكعبة وجردها وأخذ جميع ما كان عليها وكساها ثوبين رقيقين من قز كان أبو السرايا بعث بهما إليها مكتوب عليهما‏:‏ ‏"‏ أمر به الأصفر بن الأصفر ‏"‏ أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام وأن تطرح عنها كسوة الظلمة من ولد العباس ثم أخذ الحسين أموالًا كثيرة من أهل مكة وصادرهم وأبادهم‏.‏

وفيها توفي أبان بن عبد الحميد بن لاحق اللاحقي كان شاعرًا فاضلًا بليغًا قدم بغداد واتصل بالبرامكة وله فيهم مدائح كثيرة وصنف لهم كتاب ‏"‏ كليلة ودمنة ‏"‏ وهو فرد في معناه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع‏.‏

‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وسبعة عشر إصبعًا M0لية سليمان بن غالب على مصر هو سليمان بن غالب بن جميل بن يحيى بن قزة البجلي الأمير أبو داود ولي إمرة مصر على الصلاة والخراج معًا بعد عزل السري بن الحكم وحبسه بإجماع الجند وأهل مصر عليه في يوم الثلاثاء لأربع خلون من شهر ربيع الأول من سنة إحدى ومائتين‏.‏

وسكن العسكر وجعل على شرطته أبا ذكر بن جنادة بن عيسى المعافري فشدد على المصريين فعزله عن الشرطة بالعباس بن لهيعة ‏"‏ بن عيسى ‏"‏ الحضرمي‏.‏

ثم وقع بين سليمان هذا وبين الجند أيضًا وحشة فوثبوا عليه وقاتلوه ووقع له معهم وقائع وحروب كثيرة آلت إلى عزله عن إمرة مصر فصرفه المأمون عنها وأعاد على إمرة مصر السري بن الحكم ثانية فكانت ولاية سليمان هذا على إمرة مصر خمسة أشهر فإنه صرف في مستهل شعبان سنة إحدى ومائتين وتوجه إلى المأمون وصار من جملة القواد وندبه المأمون لقتال بابك الخرمي وهذا أول ظهور بابك الخرمي في الجاويدانية‏.‏

وبابك هو من أصحاب الجاويدان بن سهل صاحب البذ وادعى بابك أن روح جاويدان دخلت فيه وأخذ بابك في العبث والفساد - وتفسير جاويدان‏:‏ الدائم الباقي‏.‏

ومعنى خرم‏:‏ فرج وهي مقالات المجوس والرجل منهم ينكح أمه وأخته ولهذا يسمونه دين الفرج ويعتقدون مذهب التناسخ وأن الأرواح تنتقل من جوف إلى غيره - وعاد سليمان صاحب الترجمة إلى الخليفة من غير أن يلقى حربًا فإن بابك المذكور لما سمع بمجيء العساكر هرب واستمر سليمان عند المأمون إلى أن كان ما سنذكره‏.‏

‏.‏

M0لنة التي حكم في أولها السري بن الحكم إلى مستهل ربيع الأول ثم سليمان بن غالب إلى شعبان ثم السري بن الحكم ثانية على مصر وهي سنة إحدى ومائتين‏.‏

فيها جعل المأمون ولي عهده في الخلافة من بعده عليًا الرضى بن موسى الكاظم العلوي وخلع أخاه القاسم من ولاية العهد وترك لبس السواد ولبس الخضرة وترك غالب شعار بني العباس أجداده ومال إلى العلوية فشق ذلك على بني العباس وعلى القواد وجميع أهل الشرق لاسيما أهل بغداد وخرج عليه جماعة كثيرة بسبب ذلك وثارت الفتن لهذه الكائنة وكلم المأمون أكابر بني العباس في ذلك فلم يلتفت إلى كلامهم‏.‏

وفيها ولى المأمون زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب التميمي إمرة المغرب‏.‏

وفيها كتب المأمون إلى إسماعيل بن جعفر بن سليمان العباسي أمير البصرة يأمره بلبس الخضرة فامتنع ولم يبايع بالعهد لعلي الرضى فبعث إليه المأمون عساكرًا لحربه فسلم نفسه بلا قتال فحمل هو وولداه إلى خراسان وفيها المأمون فمات هناك‏.‏

وفيها خرج منصور بن المهدي العباسي أيضًا بكلواذا ونصب نفسه ثانيًا للمأمون ببغداد فسموه المرتضى وسلموا عليه بالخلافة فامتنع من ذلك وقال‏:‏ إنما أنا نائب للمأمون‏.‏

فلما ضعف عن قبول ذلك عدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهدي فبايعوه بالخلافة‏.‏

كل ذلك بسبب ميل المأمون إلى العلوية‏.‏

وجرت فتنة كبيرة واختبط العراق سنين وخطب به باسم إبراهيم بن المهدي على المنابر‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن الفرج الشيخ أبو محمد القنطري العابد الزاهد كان من كبار المجتهدين كان بشر الحافي يحبه ويثني عليه ويزوره‏.‏

وفيها توفي حماد بن أسامة بن زيد الحافظ أبو أسامة الكوفي مولى بني هاشم روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وأسامة بن زيد الليثي وغيرهم وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي مع تقدمه وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق الكوسج وغيرهم‏.‏

وقال محمد بن عبد الله بن عفار‏:‏ كان أبو أسامة في زمن الثوري يعد من النساك‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفي علي بن عاصم بن صهيب الحافظ أبو الحسن مولى بنت محمد بن أبي بكر الصديق كان من أهل واسط ولد سنة ثمان ومائة أو خمس ومائة وكان محدثًا فاضلًا روى عنه الإمام أحمد بن حنبل وطبقته إلا أنهم قالوا‏:‏ كان يخطئ فضعفوه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو أسامة الكوفي وحرمي بن عمارة وحماد بن مسعدة وعلي بن عاصم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

على مصر تولى السري ثانيًا على مصر من قبل الخليفة المأمون على الصلاة والخراج معًا‏.‏

وقدم الخبر من المأمون بولايته في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة إحدى ومائتين ففي الحال أخرج من السجن ولبس خلعة المأمون بإمرة مصر توجه إلى العسكر وسكن به‏.‏

وجعل على شرطته محمد بن عسامة أيامًا ثم عزله بالحارث بن زرعة أيامًا فشكا منه الجند فعزله بابنه ميمون ثم عزل ميمونًا أيضًا بأبي ذكر بن المخارق ثم عزله بأخيه صالح بن الحكم ثم عزل صالحًا بأخيه إسماعيل ثم عزل إسماعيل بأخيه داود كل ذلك لتغلب أهل مصر عليه وهو يصغي إلى قولهم إلى أن أستفحل أمره‏.‏

ولما ثبتت قدمه في إمرة مصر أخذ يتتبع من كان حاربه وعاداه في أول ولايته فمسك منهم جماعة وأخرج جماعة ومهد أمور مصر وأصلح أحوال أهل البلاد وأباد أهل الحوف‏.‏

وأستمر على إمرة مصر إلى أن توفي بها في سلخ جمادى الأولى من سنة خمس ومائتين‏.‏

وقال صاحب البغية‏:‏ مات بالفسطاط يوم السبت لانسلاخ ربيع الأول من سنة خمس ومائتين‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هدا القول كانت ولايته على مصر في هذه المرة الثانية ثلاث سنين وتسعة أشهر وثمانية عشر يومًا‏.‏

وتولى إمرة مصر من بعده ابنه محمد بن السري‏.‏

وكان السري أميرًا جليلًا معظمًا في القول وفي الأعمال وتنقل في البلاد وكان ممن أنضم على المأمون من القواد ووقع له أمور بمصر ذكرنا بعضها إلى أن أعيد إليها ثانيًا واستمر بها إلى أن توفي حسبما تقدم ذكره‏.‏